تُبرز الدراسات على مر السنين الدور الإيجابي للشتات في تنمية اقتصادات بلدانهم الأصلية لا سيما عبر الحوالات المالية. غير أنه من النادر لهذه الأخيرة التي ركّزت عليها الأبحاث بشكل خاص، أن يتم توجيهها نحو مبادرات طويلة المدى. فريادة |الأعمال الاجتماعية هي قطاع واعد يمكن لمجموعات الشتات أن تساهم فيه كونه يجمع بين العائدات المالية والتنمية الاجتماعية بعيدة المدى والمطلوبة بشكل ملحّ في عالم اليوم لا سيما لبنان.
العقبات
تقدّم مجموعات الشتات تقليدياً مساهمات تجاه بلدانها الأصلية عبر الحوالات المالية التي ترسلها إلى عائلاتها وتقدمها للمشاريع المجتمعية فضلاً عن مشاركة مهاراتها ومعرفتها مع مواطنيها. فمثلا، يعتبر لبنان محظوظاً أكثر من أي بلد آخر بمغتربيه الذين أرسلوا 7.9 مليار دولار إليه عام 2017. غير أن ثمة الكثير من المجالات التي يمكن أن يتم فيها تحسين عملية إشراك الشتات مثل:
- معظم الدول بينها لبنان تفتقد إلى التعريف الواضح لمفهوم "الشتات"
- الشتات اللبناني منتشر جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. لذلك من الصعب خلق إطار عمل موحّد لإشراكه بفعالية.
- لا يثق الشتات اللبناني بالمؤسسات الحكومية في بلده الأم ولا بالقطاع غير الربحي نظراً إلى غياب الشفافية.
ونظراً إلى هذه العقبات، ثمة حاجة إلى إطار عمل لإرشاد المقاربة الحكومية (وغيرها من المؤسسات) لتعبئة جهود المغتربين بطريقة منظّمة.
الشتات وريادة الأعمال الاجتماعية
مع فشل الحكومات والمؤسسات غير الربحية في إيجاد حلول مستدامة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عالم اليوم، أصبحت الحاجة إلى نموذج لريادة الأعمال الاجتماعية يعتبر هذه التحديات فرص مشاريع أكثر من أي وقت مضى. يمكن للشتات لعب دور هام في تعزيز هذا القطاع في المنطقة العربية وفي لبنان بشكل خاص.
وقمنا في بحثنا بدراسة مشاركة المغتربين اللبنانيين في البيئة الحاضنة للريادة الاجتماعية في لبنان. وحققنا في السياق الحالي الذي تشارك فيه المؤسسات الاجتماعية والشتات من أجل الوصول إلى فهم أفضل لمواقف الجهات الفاعلة في البيئة الحاضنة تجاه لبنان. وأجرينا مقابلات مع جهات فاعلة مختلفة في البيئة الحاضنة بما في ذلك مؤسسات اجتماعية وشركة رأس مال استثماري أو مخاطر وشركة استشارية ومنظمة لعضوية المغتربين.
النتائج
يضم الشتات اللبناني مجموعة ضخمة من الأفراد المتعلمين ذوي العلاقات الجيدة والذين يمكنهم المساهمة في مجال ريادة الأعمال في البلاد، وعلى وجه التحديد تعزيز نمو البيئة الحاضنة للريادة الاجتماعية. فمن جهة، يمكن للمؤسسات الاجتماعية الاستفادة من شبكة الشتات للوصول إلى فرص تمويل وفرص في السوق. ومن جهة أخرى، يمكن للشتات اللبناني استثمار أمواله في شركات تركّز على مهام اجتماعية لتطوير بلده الأم وتحقق عوائد مالية في الوقت نفسه. غير أنّ العديد من التحديات تعيق هذا التعاون.
أولاً يتهرّب المغتربون من الاستثمار في لبنان بشكل عام بسبب الافتقار إلى الشفافية وضعف حوكمة الشركات على المستوى المؤسسي، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الكلية الضعيفة التي تهدد أي عائد مالي محتمل على الاستثمار في لبنان. ثانياً، ليس هناك ما يكفي من الحضور ولا يوجد تعريف واضح لنموذج المشاريع الريادية الاجتماعية، مما يضعف البيئة الحاضنة. وثمة تحدٍّ آخر يتمثل في البيروقراطية والبيئة القانونية والاقتصادية المعقدة في لبنان. ويزداد الأمر سوءاً نظراً لعدم امتلاك المؤسسات الاجتماعية اللبنانية شكلاً أو إطاراً قانونياً واضحاً.
أشار المشاركون الذين قابلناهم في دراستنا إلى الحاجة الملحة لتحسين مصداقية المؤسسات اللبنانية من أجل تشجيع مشاركة المغتربين. ورغم أن المؤسسات الاجتماعية في لبنان بحاجة إلى التعاون مع جميع أصحاب المصلحة المحتملين، إلاّ أنه يتعين عليها أن تنأى بنفسها عن قطاعات معينة تعتبر غير فعالة وفاسدة. فإذا أخذنا البلدان الأخرى حيث مشاركة المغتربين مثمرة، نلاحظ أنّ العناصر الرئيسية للنجاح هي الثقة في المؤسسات المحلية واعتماد نهج استباقي ومنظم في إشراك المغتربين. لذلك نعتبر أن المؤسسات الاجتماعية في لبنان يجب أن تتبع إطاراً منظماً وممنهجاً. فأولاً يجب تحديد أسباب عدم رغبتها في تعبئة الشتات ومن ثم إشراك هؤلاء في وضع هذه الأهداف.
هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشتات والمؤسسات الاجتماعية في لبنان لا سيما الرغبة في منح الأولوية للأثر الاجتماعي قبل المكاسب الاقتصادية من أجل لعب دور إيجابي في التنمية في لبنان. ثانياً، يجب تأسيس هيئة حكومية تراقب الانتشار الجغرافي للمغتربين ومهاراتهم ودوافعهم من أجل فهم مدى استعدادهم للمساهمة في الاقتصاد اللبناني. وتكمن أهمية ذلك في أن المؤسسات الاجتماعية في لبنان ليست مهتمة حصراً بالحصول على دعم اقتصادي من المغتربين بل أكثر من ذلك. فهي تتوقع منهم أن يدعموها في إيجاد فرص جديدة في السوق ومساعدة مواطنيهم على الاستفادة من خبراتهم ومعارفهم. ثالثًاً، يمكن بناء الثقة مع الشتات من خلال الشفافية وحوكمة الشركات والهيئات التي تكشف الفساد وتحاربه.
لا تزال البيئة الحاضنة للريادة الاجتماعية في لبنان في مهدها؛ فيجب أن تصل بنشاط أكثر إلى الشتات للحصول على المساعدة والتوجيه. واليوم يعتبر تشكيل جمعية ريادة الأعمال الاجتماعية اللبنانية، رسالة إيجابية للمستثمرين المحتملين. فالهدف من الجمعية الاعتراف بالمؤسسات الاجتماعية المحلية وضمان شفافيتها وقياس تأثيرها الاجتماعي. وعلى الرغم من كل التحديات التي يواجهها لبنان، وعلى الرغم من عدم الثقة في مؤسساته العامة، تعتبر ريادة الأعمال الاجتماعية وسيلة واعدة جداً للمغتربين اللبنانيين الذين يتطلعون إلى الاستثمار في بلدهم الأم.
-----------------
حصلت هبة شحادة على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت وكانت أطروحتها بعنوان "إشراك المغتربين اللبنانيين في البيئة الحاضنة لريادة الأعمال الاجتماعية في لبنان".
ألان ضو هو أستاذ مساعد في ريادة الأعمال في كلية العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت. قبل انضمامه إلى الأوساط الأكاديمية، عمل ألان لمدة 10 سنوات مع العديد من المؤسسات غير الربحية كمدير مشروع ومدير إقليمي ومستشار داخلي ومستشار في كندا وأميركا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.
ومن خلال أبحاثه، يحاول آلان أن يفهم كيف تنجح أنواع معينة من الشركات مثل المؤسسات الاجتماعية وغير الربحية، والشركات الصغيرة والمتوسطة في الابتكار والتوسّع وتحقيق تأثير اجتماعي واقتصادي إيجابي على أصحاب المصلحة والمجتمع ككل.