ماذا يتبادر إلى أذهانكم حين تُذكر ليبيا أمامكم؟ حرب أهلية، تفجيرات، ميليشيات، فوضى؟ ولكن ولكن لليبيا وجه آخر. فالتغطية الإعلامية للدمار في هذا البلد تتقاطع مع اتجاه إيجابي: ولادة جيل جديد من رواد الأعمال الليبيين. ومن بين هؤلاء فطّوم ناصر التي كانت مراهقة حين بدأ النزاع في ليبيا. وتؤكّد ناصر البالغة من العمر 21 عاماً أن "الحرب وتداعياتها حفّزت الجهود الريادية في ليبيا". وأثبتت طالبة الترجمة بأنّ الابتكار يمكن أن يولد من الحرب. فطوّرت "يامّي" Yummy وهو تطبيق لتوصيل الطعام مصمم لمساعدة النساء الطاهيات على تنمية أعمالهن. وقد كان واحداً من الفرق الفائزة في مسابقة "إنجازي" للشركات الناشئة Enjazi Startup Competition التي نُظّمت في تشرين الثاني/نوفمبر وكانت ثمرة تعاون بين منتدى MIT لريادة الأعمال في العالم العربي و"تطوير" للأبحاث وهي شركة ممولة حكومياً تهدف إلى المساهمة في بناء اقتصاد المعرفة في ليبيا.
ويتضمّن برنامج مسابقة "إنجازي" تدريباً لمدة 35 يوماً في بنغازي وأسبوعين من جلسات التدريب المتقدمة في لبنان. وتقول ناصر إن "إنجازي" "كانت بمثابة الدفعة التي أتاحت لنا بدء شركة بالأداة والمعرفة المناسبتين. فالعديد من الناس يريدون بناء شركة ناشئة ولكنهم لا يملكون الخلفية عن كيف ومن أين يبدأون. وسمح لنا هذا البرنامج أيضاً بالتواصل مع رواد أعمال آخرين". وعلى إثر عرض منتجهم في المسابقة، فاز فريق "يامّي" برحلة إلى كامبردج للقاء شركات أخرى وعرض أفكارهم.
"يامّي" تطبيق للهاتف مصمم لمساعدة النساء والطلاب
التقت ناصر في آذار/مارس 2017، عزيزة آدم أثناء تدريب للمدربين على الأمن الرقمي في سبها. وخلال الحديث، لاحظت الصبيّتان وجود اتجاه جديد في ليبيا: إذ نتيجة الأزمة المالية، بدأت العديد من النساء العمل على توصيل وجبات من إعدادهنّ. ولكن عملية التوصيل افتقدت إلى الإدارة الفعالة نظراً إلى عدم وجود عملية مراقبة أو استراتيجيا للتسويق. واتفقت الصبيّتان على إنشاء "يامّي" لملء هذه الفجوة: حيث يقدّم فرصة التواصل مع الزبائن وخدمة توصيل وتسويق والحصول على رأي العملاء كي تتمكّن النساء من توزيع منتجاتهنّ. وتشرح ناصر أنّه "من خلال ضمان تقديم خدمة توصيل ناجحة والحصول على رأي الزبائن وتسليط الضوء على منتجاتهن (النساء الطاهيات) عبر نشر صورها على الإنترنت، سوف تحسّن النساء قدرتهن على الطهي والبيع من دون أن تضطررن للتعامل مع متاعب الطلبات اليومية للزبائن". ودفعت الحماسة لإحداث أثر اجتماعي، ناصر وآدم إلى الخروج بفكرة مساعدة الطلاب الليبيين الذين لا يستطيعون دفع الرسوم الدراسية، وذلك عبر توظيفهم كسائقي توصيل.
التحديات
لم يبدأ "يامّي" سوى في تشرين الثاني 2017 في خدمة النساء جنوب ليبيا عبر المنصات الاجتماعية. ومن التحديات كان توصيل الطعام إلى مناطق غير آمنة بسبب المعدلات المرتفعة لسرقة السيارات. وحلّت ناصر التحدّي عبر تأمين مكان لقاء حيادي بين السائق والزبون. وثمة تحدٍّ آخر وهو انقطاع الكهرباء المنتظم الذي يسبب انقطاع الإنترنت. لذلك تجرى الطلبات عبر الهاتف. وبينما يرتبط هذا التحديان بشكل مباشر بالنزاع السياسي في ليبيا، ثمة عقبة أخرى مرتبطة بالسلوك الاجتماعي في ما يتعلق بالدفع عبر الإنترنت. فالواقع أن غالبية الليبيين لا يثقون في نظام الدفع عبر الإنترنت. وقد تجاوز "يامّي" ذلك من خلال القبول بالدفع نقداً.
بعد مرور عشرة أشهر، يعمل "يامّي" على منصات اجتماعية، مثل تويتر وفيسبوك وإنستاغرام ، مع أكثر من 400 طاهية و400 سائق، ويغطي العاصمة طرابلس وبنغازي وسبها. ولدى سؤالنا عن مصدر التمويل الأول لشركتها، شرحت ناصر قائلة "بدأنا من الصفر ورؤيتنا كانت تقوم على مساعدة الآخرين. موّلنا ‘يامّي’ أكثر بتضافر جهودنا وليال كثيرة بلا نوم. وأتاحت لنا وظائفنا أن ندفع ثمن ترويج منشورات التطبيق على المنصات الاجتماعية وبدأ فريقنا بشكل تطوّعي". واليوم، يوظّف "يامّي" 11 شخصاً يعملون من ثلاثة مساحات عمل مشتركة في المدن الثلاثة ويحصلون على 10% من المبيعات. وأخيراً تلقّت الشركة الناشئة 81 ألف دولار من صندوق "إمباكت" Impact Fund كتمويل تأسيسي وفازت بالمرتبة الثالثة في مسابقة "سيد ستارز" Seed Stars وحصلت على 10 آلاف دولار لتسهيل خدماتها الإلكترونية الخاصة بالمحاسبة والتسويق.
الخطوة التالية لـ"يامّي"
يختبر "يامّي" اليوم تطبيق الهاتف، حيث سيعطي النسخة التجريبية لخمسين مستخدماً مختاراً في طرابلس وسبها وبنغازي. وتقول ناصر: "نريد أن نضمن أن يعمل التطبيق بشكل جيد وأن نحلّ أية مشاكل ممكنة وأن نحصل على رأي المستخدمين". ويساعد مستخدمو النسخة التجريبية ناصر على العثور على أية عيوب محتملة فضلاً عن إعطائها رأيهم البنّاء في ما يخص التطبيق قبل إطلاقه رسمياً هذا الشهر. ويفكّر الفريق في التواصل مع مستثمرين محتملين حين تصبح أعمال الشركة مستدامة.